الطريق الربانى لطالب العلم الروحانى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 افضلية بعض القرأن على بعض الجزء 4

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin



عدد المساهمات : 129
تاريخ التسجيل : 20/03/2015

افضلية بعض القرأن على بعض الجزء 4 Empty
مُساهمةموضوع: افضلية بعض القرأن على بعض الجزء 4   افضلية بعض القرأن على بعض الجزء 4 Emptyالأربعاء مارس 25, 2015 3:29 pm

غير ذلك من المصنفات التي يطول تعدادها : التي يذكر مصنفوها العلماء الثقات مذاهب السلف بالأسانيد الثابتة عنهم بألفاظهم الكثيرة المتواترة التي تعرف منها أقوالهم مع أنه من حين محنة الجهمية لأهل السنة - التي جرت في زمن أحمد بن حنبل لما صبر فيها الإمام أحمد وقام بإظهار السنة والصبر على محنة الجهمية حتى نصر الله الإسلام والسنة وأطفأ نار تلك الفتنة - ظهر في ديار الإسلام وانتشر بين الخاص والعام أن مذهب أهل السنة والحديث المتبعين للسلف من الصحابة والتابعين : أن القرآن كلام الله غير مخلوق وأن الذين أحدثوا في الإسلام القول بأن القرآن مخلوق هم الجعد بن درهم والجهم بن صفوان ومن اتبعه من المعتزلة وغيرهم من أصناف الجهمية لم يقل هذا القول أحد من الصحابة ولا التابعين لهم بإحسان .
فهذا القول هو القول المعروف عن أهل السنة والجماعة وهو القول بأن القرآن كلام الله وهو غير مخلوق .
أما كونه لا يفضل بعضه على بعض فهذا القول لم ينقل عن أحد من سلف الأمة وأئمة السنة الذين كانوا أئمة المحنة كأحمد بن حنبل وأمثاله ولا عن أحد قبلهم ولو قدر أنه نقل عن عدد من أئمة السنة لم يجز أن يجعل ذلك إجماعا منهم فكيف إذا لم ينقل عن أحد منهم وإنما هذا نقل لما يظنه الناقل لازما لمذهبهم .
فلما كان مذهب أهل السنة أن القرآن من صفات الله لا من مخلوقات الله وظن هذا الناقل أن التفاضل يمتنع في صفات الخالق نقل امتناع التفاضل عنهم بناء على هذا التلازم .
ولكن يقال له : أما المقدمة الأولى فمنقولة عنهم بلا ريب .
وأما المقدمة الثانية وهي أن صفات الرب لا تتفاضل فهل يمكنك أن تنقل عن أحد من السلف قولا بذلك فضلا عن أن تنقل إجماعهم على ذلك ما علمت أحدا يمكنه أن يثبت عن أحد من السلف أنه قال ما يدل على هذا المعنى لا بهذا اللفظ ولا بغيره فضلا عن أن يكون هذا إجماعا .
ولكن إن كان قال قائل ذلك ولم يبلغنا قوله فالله أعلم .
لكن الذي أقطع به ويقطع به كل من له خبرة بكلام السلف أن القول بهذا لم يكن مشهورا بين السلف ولا قاله واحد واشتهر قوله عند الباقين فسكتوا عنه ولا هو معروف في الكتب التي نقل فيها ألفاظهم بأعيانها بل المنقول الثابت عنهم - أو عن كثير منهم - يدل على أنهم كانوا يرون تفاضل صفات الله تعالى وهكذا من قال من أصحاب مالك أو الشافعي أو أحمد عن أهل السنة : أن القرآن لا يفضل بعضه على بعض فإنما مستندهم أن أهل السنة متفقون على أن القرآن كلام الله غير مخلوق وأن كلامه من صفاته القائمة بنفسه ليس من مخلوقاته وهذا أيضا صحيح عن أهل السنة .
ثم ظنوا أن التفاضل إنما يقع في المخلوق لا في الصفات وهذا الظن لم ينقلوه عن أحد من أئمة الإسلام كمالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة والثوري والأوزاعي ولا من قبل هؤلاء ولهذا شنع هؤلاء على من ظن فضل بعضه على بعض كما دلت عليه النصوص والآثار لظنهم أن ذلك مستلزم لخلاف مذهب أهل السنة كما قال أبو عبد الله بن المرابط في الكلام على حديث البخاري في رده لتأويل من تأول هذا الحديث على أن هذه السورة إذا عدلت بثلث القرآن أنها تفضل الربع منه وخمسه وما دون الثلث فهو التفاضل في كتاب الله تعالى وهو صفة من صفات الله جل جلاله وقال : فهذا لولا عذر الجهالة لحكم على قائله بالكفر إذ لا يصح التفاضل إلا في المخلوقات ; إذ صفاته كلها فاضلة في غاية الفضيلة ونهاية العلو والكرامة فمن تنقص شيئا منها عن سائرها فقد ألحد فيها ألا تسمعه منع ذلك بقوله تعالى : { الذين جعلوا القرآن عضين } .
قال : وقد أجمع أهل السنة على أن القرآن صفة من صفات الله لا من صفة خلقه .
قال : وإنما أوقعهم في تأويل ذلك قوله تعالى : { نأت بخير منها أو مثلها } ولا يخلو معنى ذلك من أحد وجهين : إما أن تكون الناسخة خيرا من المنسوخة في ذاتها وإما أن تكون خيرا منها لمن تعبد بها إذ محال أن يتفاضل القرآن في ذاته على ما ذهب إليه أهل السنة والاستقامة ; إذ كل من عند الله ; لأن القرآن العزيز صفة الله وأسماء الله وصفاته كلها متوافرة في الكمال متناهية إلى غاية التمام لا يلحق شيئا منها نقص بحال .
فلما استحال أن تكون آية خيرا من آية في ذاتها علمنا أن المراد بخير منها إنما هو للمتعبدين بها لم ينقل عباده من تخفيف إلى تثقيل ولكنه نقلهم بالنسخ من تحريم إلى تحليل ومن إيجاب إلى تخيير ومن تطهير إلى تطهير والشاهد لنا قوله : { يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا } .
فيقال : أما قول القائل : " لولا عذر الجهالة لحكم على مثبت المفاضلة بالكفر " فهم يقابلونه بمثل ذلك وحجتهم أقوى .
وذلك لأن الكفر حكم شرعي وإنما يثبت بالأدلة الشرعية ومن أنكر شيئا لم يدل عليه الشرع بل علم بمجرد العقل لم يكن كافرا وإنما الكافر من أنكر ما جاء به الرسول ومعلوم أنه ليس في الكتاب والسنة نص يمنع تفضيل بعض كلام الله على بعض بل ولا يمنع تفاضل صفاته تعالى بل ولا نقل هذا النفي عن أحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان ولا عن أئمة المسلمين الذين لهم لسان صدق في الأمة بحيث جعلوا أعلاما للسنة وأئمة للأمة .
وأما تفضيل بعض كلام الله على بعض ; بل تفضيل بعض صفاته على بعض : فدلالة الكتاب والسنة والأحكام الشرعية والآثار السلفية كثيرة على ذلك فلو قدر أن الحق في نفس الأمر أنها لا تتفاضل لم يكن نفي تفاضلها معلوما إلا بالعقل لا بدليل شرعي وإذا قدر أنها تتفاضل فالدال على ذلك هو الأدلة الشرعية مع العقلية فإذا قدر أن الحق في نفس الأمر هو التفضيل لكان كفر جاحد ذلك أولى من كفر من يثبت التفضيل إذا لم يكن حقا في نفس الأمر لأن ذلك جحد موجب الأدلة الشرعية بغير دليل شرعي ; بل لما رآه بعقله وأخطأ فيه ; إذ نحن نتكلم في هذا التقدير .
ومعلوم أن من خالف ما جاءت به الرسل عن الله بمجرد عقله فهو أولى بالكفر ممن لم يخالف ما جاءت به الرسل عن الله وإنما خالف ما علم بالعقل إن كان ذلك حقا .
ونظير هذا قول بعض نفاة الصفات لما تأمل حال أصحابه وحال مثبتيها قال : لا ريب أن حال هؤلاء عند الله خير من حالنا فإن هؤلاء إن كانوا مصيبين فقد نالوا الدرجات العلى والرضوان الأكبر وإن كانوا مخطئين فإنهم يقولون : نحن يا رب صدقنا ما دل عليه كتابك وسنة رسولك إذ لم تبين لنا بالكتاب والسنة نفي الصفات كما دل كلامك على إثباتها فنحن أثبتنا ما دل عليه كلامك وكلام رسولك فإن كان الحق في خلاف ذلك فلم يبين الرسول ما يخالف ذلك ولم يكن خلاف ذلك مما يعلم ببداهة العقول بل إن قدر أنه حق فلا يعلمه إلا الأفراد فكيف وعامة المنتهين في خلاف ذلك إلى الغاية يقرون بالحيرة والارتياب .
قال النافي : وإن كنا نحن مصيبين فإنه يقال لنا : أنتم قلتم شيئا لم آمركم بقوله وطلبتم علما لم آمركم بطلبه .
فالثواب إنما يكون لأهل الطاعة وأنتم لم تمتثلوا أمري .
قال : وإن كنا مخطئين فقد خسرنا خسرانا مبينا .
وهذا حال من أثبت المفاضلة في كلام الله وصفاته ومن نفاها فإن المثبت معتصم بالكتاب والسنة والآثار ومعه من المعقولات الصريحة التي تبين صحة قوله وفساد قول منازعه ما لا يتوجه إليها طعن صحيح .
وأما النافي فليس معه آية من كتاب الله ولا حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا قول أحد من سلف الأمة وإنما معه مجرد رأي يزعم أن عقله دل عليه ومنازعه يبين أن العقل إنما دل على نقيضه وأن خطأه معلوم بصريح المعقول كما هو معلوم بصحيح المنقول .
واحتجاج المحتج على نفي التفاضل بقوله : { جعلوا القرآن عضين } في غاية الفساد ; فإن الآية لا تدل على هذا بوجه من الوجوه سواء أريد بها من آمن ببعضه وكفر ببعضه أو أريد بها من عضهه فقال : هو سحر وشعر ونحو ذلك ; بل من نفى فضل { قل هو الله أحد } على { تبت يدا أبي لهب } فهو أولى بأن يكون ممن جعله عضين ; إن دلت الآية على هذه المسألة .
وذلك أن من آمن بما وصف الله به كلامه فأقر بأنه جميعه كلام الله وأقر به كله فلم يكفر بحرف منه وعلم أن كلام الله أفضل من كل كلام وأن خير الكلام كلام الله وأنه لا أحسن من الله حديثا ولا أصدق منه قيلا وأقر بما أخبر الله به ورسوله من فضل بعض كلامه كفضل ( فاتحة الكتاب و ( آية الكرسي و ( { قل هو الله أحد } ونحو ذلك بل وتفضيل ( يس و ( تبارك والآيتين من آخر سورة البقرة بل وتفضيل ( البقرة و ( آل عمران وغير ذلك من السور والآيات التي نطقت النصوص بفضلها وأقر بأنه كلام الله ليس منه شيء كلاما لغيره لا معانيه ولا حروفه فهو أبعد عن جعله عضين ممن لم يؤمن بما فضل الله به بعضه على بعض ; بل آمن بفضله من جهة المتكلم ولم يؤمن بفضله من جهة المتكلم فيه ; فإن هذا في الحقيقة آمن به من وجه دون وجه .
وكذلك من قال : إنه معنى واحد وأن القرآن العربي لم يتكلم الله به ; بل هو مخلوق خلقه الله في الهواء أو أحدثه جبريل أو محمد فهذا أولى بأن يكون داخلا فيمن عضه القرآن ورماه بالإفك وجعل القرآن العربي كلام مخلوق : إما بشر وإما ملك وإما غيرهما فمن جعل القرآن كله كلام الله ليس بمخلوق ولا هو من إحداث مخلوق لا جبريل ولا محمد ولا شيء منه بل جبريل رسول ملك ومحمد رسول بشر والله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس فاصطفى لكلامه الرسول الملكي فنزل به على الرسول البشري الذي اصطفاه وقد أضافه إلى كل من الرسولين لأنه بلغه وأداه ; لا لأنه أنشأه وابتداه قال تعالى : { إنه لقول رسول كريم } { ذي قوة عند ذي العرش مكين } { مطاع ثم أمين } فهذا نعت جبريل الذي قال فيه : { من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله } وقال : { نزل به الروح الأمين } { على قلبك لتكون من المنذرين } { بلسان عربي مبين } وقال : { وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون } { قل نزله روح القدس من ربك بالحق } وقال في الآية الأخرى : { إنه لقول رسول كريم } { وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون } { ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون } { تنزيل من رب العالمين } { ولو تقول علينا بعض الأقاويل } { لأخذنا منه باليمين } { ثم لقطعنا منه الوتين } { فما منكم من أحد عنه حاجزين } فهذه صفة محمد صلى الله عليه وسلم .
وأضاف القول إلى كل منهما باسم الرسول فقال { لقول رسول } لأن الرسول يدل على المرسل فدل على أنه قول رسول بلغه عن مرسل .
لم يقل : إنه لقول ملك ولا بشر بل كفر من جعله قول بشر بقوله : { ذرني ومن خلقت وحيدا } { وجعلت له مالا ممدودا } { وبنين شهودا } { ومهدت له تمهيدا } { ثم يطمع أن أزيد } { كلا إنه كان لآياتنا عنيدا } { سأرهقه صعودا } { إنه فكر وقدر } { فقتل كيف قدر } { ثم قتل كيف قدر } { ثم نظر } { ثم عبس وبسر } { ثم أدبر واستكبر } { فقال إن هذا إلا سحر يؤثر } { إن هذا إلا قول البشر } فمن قال إنه قول بشر أو قول مخلوق غير البشر فقد كفر ومن جعله قول رسول من البشر فقد صدق ; لأن الرسول ليس له فيه إلا التبليغ والأداء كما قال تعالى : { يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك } وفي سنن أبي داود عن جابر بن عبد الله { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرض نفسه على الناس في الموسم ويقول : ألا رجل يحملني إلى قومه لأبلغ كلام ربي ؟ فإن قريشا قد منعوني أن أبلغ كلام ربي } .
والذي اتفق عليه السلف أن القرآن كلام الله غير مخلوق وقال غير واحد منهم : منه بدأ وإليه يعود .
قال أحمد بن حنبل وغيره : " منه بدأ " أي هو المتكلم به لم يبتد من غيره كما قالت الجهمية القائلون بأن القرآن مخلوق قالوا : خلقه في غيره فهو مبتدأ من ذلك المحل المخلوق ويلزمهم أن يكون كلاما لذلك المحل المخلوق لا لله تعالى ; لا سيما والجهمية كلهم يقولون بأن الله خالق أفعال العباد وهم غلاة في الجبر ولكن المعتزلة توافقهم على نفي الصفات والقول بخلق القرآن وتخالفهم في القدر والأسماء والأحكام فإذا كان الله خالق كل ما سواه لزمهم أن يكون كل كلام كلامه لأنه هو الذي خلقه ولذلك قال ابن عربي الطائي - وكان من غلاة هؤلاء الجهمية يقول بوحدة الوجود - قال : وكل كلام في الوجود كلامه سواء علينا نثره ونظامه ولهذا قال سليمان بن داود الهاشمي - نظير أحمد بن حنبل الذي قال الشافعي : ما رأيت أعقل من رجلين أحمد بن حنبل وسليمان بن داود الهاشمي - قال : من قال : { إنني أنا الله لا إله إلا أنا } مخلوق فهو كافر .
وإن كان القرآن مخلوقا كما زعموا فلم صار فرعون أولى بأن يخلد في النار إذ قال : { أنا ربكم الأعلى } وزعموا أن هذا مخلوق ؟ .
ومعنى ذلك كون قول فرعون : { أنا ربكم الأعلى } كلاما قائما بذات فرعون فإن كان قوله { إنني أنا الله لا إله إلا أنا } كلاما خلقه في الشجرة كانت الشجرة هي القائلة لذلك كما كان فرعون هو القائل لذلك وحينئذ فيكون جعل الشجرة إلها أعظم كفرا من جعل فرعون إلها .
والجهمية والمعتزلة لم يقم عندهم بذات الله لا طلب ولا إرادة ولا محبة ولا رضا ولا غضب ولا غير ذلك مما يجعل مدلول الأصوات المخلوقة .
ولا قام بذاته عندهم إيجاب وإلزام ولا تحريم وحظر فلم يكن للكلام المخلوق في غيره معنى قائم بذاته يدل عليه ذلك المخلوق حتى يفرق بين ما خلقه في الجماد وما خلقه في الحيوان .
وكان مقصود السلف رضوان الله عليهم أن الله هو المتكلم بالقرآن وسائر كلامه .
وأنه منه نزل لم ينزل من غيره كما قال تعالى : { والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق } وقال تعالى : { قل نزله روح القدس من ربك بالحق } لم يقل أحد من السلف : إن القرآن قديم وإنما قالوا هو كلام الله غير مخلوق وقالوا لم يزل الله متكلما إذا شاء ومتى شاء وكيف شاء وكما شاء ولا قال أحد منهم : إن الله في الأزل نادى موسى ولا قال : إن الله لم يزل ولا يزال يقول يا آدم يا نوح يا موسى يا إبليس ونحو ذلك مما أخبر أنه قال .
ولكن طائفة ممن اتبع السلف اعتقدوا أنه إذا كان غير مخلوق فلا بد أن يكون قديما إذ ليس عندهم إلا هذا وهذا وهؤلاء ينكرون أن يكون الله يتكلم بمشيئته وقدرته أو يغضب على الكفار إذا عصوه أو يرضى عن المؤمنين إذا أطاعوه أو يفرح بتوبة التائبين إذا تابوا أو يكون نادى موسى حين أتى الشجرة ونحو ذلك مما دل عليه الكتاب والسنة كقوله : { ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم } وقوله تعالى : { فلما آسفونا انتقمنا منهم } وقوله : { فلما أتاها نودي يا موسى } وقال تعالى : { ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم } وقال تعالى : { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون } .
وقد أخبر أن كلماته لا نفاد لها بقوله : { لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا } وقال تعالى : { ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم } .
وأتباع السلف يقولون : إن كلام الله قديم أي لم يزل متكلما إذا شاء لا يقولون : إن نفس الكلمة المعينة قديمة كندائه لموسى ونحو ذلك .
لكن هؤلاء اعتقدوا أن القرآن وسائر كلام الله قديم العين وأن الله لا يتكلم بمشيئته وقدرته .
ثم اختلفوا : فمنهم من قال القديم هو معنى واحد هو جميع معاني التوراة والإنجيل والقرآن وأن التوراة إذا عبر عنها بالعربية صارت قرآنا والقرآن إذا عبر عنه بالعبرية صار توراة : قالوا : والقرآن العربي لم يتكلم الله به بل إما أن يكون خلقه في بعض الأجسام وإما أن يكون أحدثه جبريل أو محمد فيكون كلاما لذلك الرسول ترجم به عن المعنى الواحد القائم بذات الرب الذي هو جميع معاني الكلام .
ومنهم من قال : بل القرآن القديم هو حروف أو حروف وأصوات وهي قديمة أزلية قائمة بذات الرب أزلا وأبدا وهي متعاقبة في ذاتها وماهيتها لا في وجودها ; فإن القديم لا يكون بعضه متقدما على بعض ففرقوا بين ذات الكلام وبين وجوده وجعلوا التعاقب في ذاته لا في وجوده كما يفرق بين وجود الأشياء بأعيانها وماهياتها من يقول بذلك من المعتزلة والمتفلسفة وكلا الطائفتين تقول : إنه إذا كلم موسى أو الملائكة أو العباد يوم القيامة فإنه لا يكلمه بكلام يتكلم به بمشيئته وقدرته حين يكلمه ولكن يخلق له إدراكا يدرك ذلك الكلام القديم اللازم لذات الله أزلا وأبدا .
وعندهم لم يزل ولا يزال يقول : { يا آدم اسكن أنت وزوجك } و : { يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك } و { يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي } ونحو ذلك وقد بسط الكلام على هذه الأقوال وغيرها في مواضع .
والمقصود أن هذين القولين لا يقدر أحد أن ينقل واحدا منهما عن أحد من السلف : أعني الصحابة والتابعين لهم بإحسان وسائر أئمة المسلمين المشهورين بالعلم والدين الذين لهم في الأمة لسان صدق في زمن أحمد بن حنبل ولا زمن الشافعي ولا زمن أبي حنيفة ولا قبلهم .
وأول من أحدث هذا الأصل هو أبو محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب وعرف أن الحروف متعاقبة فيمتنع أن تكون قديمة الأعيان فإن المتأخر قد سبقه غيره والقديم لا يسبقه غيره والصوت المعين لا يبقى زمانين فكيف يكون قديما فقال بأن القديم هو المعنى ثم جعل المعنى واحدا لا يتعدد ولا يتبعض لامتناع اختصاصه بعدد معين وامتناع معان لا نهاية لها في آن واحد وجعل القرآن العربي ليس هو كلام الله .
فلما شاع قوله وعرف جمهور المسلمين فساده شرعا وعقلا قالت طائفة أخرى - ممن وافقته على مذهب السلف - إن القرآن كلام الله غير مخلوق وعلى الأصل الذي أحدثه من القول بقدم القرآن - : إن القرآن قديم وهو مع ذلك الحروف المتعاقبة والأصوات المؤلفة .
فصار قول هؤلاء مركبا من قول المعتزلة وقول الكلابية فإذا ناظروا المعتزلة على أن القرآن كلام الله غير مخلوق ناظروهم بطريقة ابن كلاب وإذا ناظرهم الكلابية على أن القرآن العربي كلام الله وأن القرآن الذي يقرأه المسلمون كلام الله ناظروهم بحجج المعتزلة .
وليس شيء من هذه الأقوال قول أحد من السلف كما بسط في غير هذا الموضع ولا قال شيئا من هذه الأقوال لا الأئمة الأربعة ولا أصحابهم الذين أدركوهم وإنما قاله - ممن ينتسب إليهم - بعض المتأخرين الذين تلقوها عمن قالها من أهل الكلام ولم يكن لهم خبرة لا بأقوال السلف التي دل عليها الكتاب والسنة والعقل الصريح ولا بحقائق أقوال أهل الكلام الذي ذمه السلف ولم قالوا هذا وما الذي ألجأهم إلى هذا ؟وقد شاع عند العامة والخاصة أن القرآن ليس بمخلوق والقول بأنه مخلوق قول مبتدع مذموم عند السلف والأئمة فصار من يطالع كتب الكلام التي لا يجد فيها إلا قول المعتزلة وقول من رد عليهم وانتسب إلى السنة يظن أنه ليس في المسألة إلا هذا القول وهذا وذاك قد عرف أنه قول مذموم عند السلف فيظن القول الآخر قول السلف كما يقع مثل ذلك في كثير من المسائل في غير هذه : لا يعرف الرجل في المسألة إلا قولين أو ثلاثة فيظن الصواب واحدا منها ويكون فيها قول لم يبلغه وهو الصواب دون تلك .
وهذا باب واسع في كثير من المسائل .
والله يهدينا وسائر إخواننا المسلمين إلى ما يحبه ويرضاه من القول والعمل ومن اجتهد بقصد طاعة الله ورسوله بحسب اجتهاده لم يكلفه الله ما يعجز عنه بل يثيبه الله على ما فعله من طاعته ويغفر ما أخطأ فيه فعجز عن معرفته .
فصل والنصوص والآثار في تفضيل كلام الله - بل وتفضيل بعض صفاته - على بعض متعددة .
وقول القائل " صفات الله كلها فاضلة في غاية التمام والكمال ليس فيها نقص " كلام صحيح لكن توهمه أنه إذا كان بعضها أفضل من بعض كان المفضول معيبا منقوصا خطأ منه فإن النصوص تدل على أن بعض أسمائه أفضل من بعض ولهذا يقال دعا الله باسمه الأعظم .
وتدل على أن بعض صفاته أفضل من بعض وبعض أفعاله أفضل من بعض ففي الآثار ذكر اسمه العظيم واسمه الأعظم واسمه الكبير والأكبر كما في السنن ورواه أحمد وابن حبان في صحيحه { عن ابن بريدة عن أبيه قال : دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد فإذا رجل يصلي يدعو : اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد .
فقال النبي صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب } .
{ وعن أنس قال : كنت جالسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحلقة ورجل قائم يصلي فلما ركع وسجد تشهد ودعا فقال في في دعائه : اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم فقال النبي صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لقد دعا باسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى } .
وقد ثبت في الصحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { إن الله كتب في كتاب فهو موضوع عنده فوق العرش : إن رحمتي تغلب غضبي } وفي رواية { سبقت رحمتي غضبي } فوصف رحمته بأنها تغلب وتسبق غضبه وهذا يدل على فضل رحمته على غضبه من جهة سبقها وغلبتها وقد ثبت في صحيح مسلم { عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في سجوده اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك } .
وروى الترمذي أنه كان يقول ذلك في وتره لكن هذا فيه نظر .
وقد ثبت في الصحيح والسنن والمساند من غير وجه الاستعاذة بكلماته التامات كقوله { أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه ومن شر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون } .
وفي صحيح مسلم عن خولة أنه قال صلى الله عليه وسلم { من نزل منزلا فقال : أعوذ بكلمات الله التامة لم يضره شيء حتى يرتحل منه } .
وفي الصحيح أنه قال لعثمان بن أبي العاص : { قل : أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر } .
ومعلوم أن المستعاذ به أفضل من المستعاذ منه فقد استعاذ برضاه من سخطه وبمعافاته من عقوبته .
وأما استعاذته به منه فلا بد أن يكون باعتبار جهتين : يستعيذ به باعتبار تلك الجهة ومنه باعتبار تلك الجهة ليتغاير المستعاذ به والمستعاذ منه إذ أن المستعاذ منه مخوف مرهوب منه والمستعاذ به مدعو مستجار به ملتجأ إليه والجهة الواحدة لا تكون مطلوبة مهروبا منها لكن باعتبار جهتين تصح كما في الحديث الذي في الصحيحين عن البراء بن عازب { أن النبي صلى الله عليه وسلم علم رجلا أن يقول عند النوم اللهم أسلمت نفسي إليك ووجهت وجهي إليك وألجأت ظهري إليك وفوضت أمري إليك رغبة ورهبة إليك لا منجا ولا ملجأ منك إلا إليك .
آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت } فبين أنه لا ينجي منه إلا هو ولا يلتجأ منه إلا إليه .
وأعمل الفعل الثاني لما تنازع الفعلان في العمل .
ومعلوم أن جهة كونه منجيا غير جهة كونه منجيا منه وكذلك جهة كونه ملتجأ إليه غير كونه ملتجأ منه سواء قيل إن ذلك يتعلق بمفعولاته أو أفعاله القائمة به أو صفاته أو بذاته باعتبارين .
وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { المقسطون عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين : الذين يعدلون في حكمهم وأهلهم وما ولوا } .
وقد جاء ذكر اليدين في عدة أحاديث ويذكر فيها أن كلتاهما يمين مع تفضيل اليمين .
قال غير واحد من العلماء لما كانت صفات المخلوقين متضمنة للنقص فكانت يسار أحدهم ناقصة في القوة ناقصة في الفعل بحيث تفعل بمياسرها كل ما يذم - كما يباشر بيده اليسرى النجاسات والأقذار - بين النبي صلى الله عليه وسلم أن كلتا يمين الرب مباركة ليس فيها نقص ولا عيب بوجه من الوجوه كما في صفات المخلوقين مع أن اليمين أفضلهما كما في حديث آدم قال { اخترت يمين ربي وكلتا يدي ربي يمين مباركة } فإنه لا نقص في صفاته ولا ذم في أفعاله بل أفعاله كلها إما فضل وإما عدل .
وفي الصحيحين عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض فإنه لم يغض ما في يمينه .
والقسط بيده الأخرى يرفع ويخفض } فبين صلى الله عليه وسلم أن الفضل بيده اليمنى والعدل بيده الأخرى .
ومعلوم أنه مع أن كلتا يديه يمين فالفضل أعلى من العدل وهو سبحانه كل رحمة منه فضل وكل نقمة منه عدل ورحمته أفضل من نقمته .
ولهذا كان المقسطون على منابر من نور عن يمين الرحمن ولم يكونوا عن يده الأخرى .
وجعلهم عن يمين الرحمن تفضيل لهم كما فضل في القرآن أهل اليمين وأهل الميمنة على أصحاب الشمال وأصحاب المشأمة وإن كانوا إنما عذبهم بعدله .
وكذلك الأحاديث والآثار جاءت بأن أهل قبضة اليمين هم أهل السعادة وأهل القبضة الأخرى هم أهل الشقاوة .
ومما يبين هذا أن الشر لم يرد في أسمائه وإنما ورد في مفعولاته ولم يضف إليه إلا على سبيل العموم وأضافه إلى السبب المخلوق أو بحذف فاعله وذلك كقوله تعالى : { الله خالق كل شيء } و { من شر ما خلق } وكأسمائه المقترنة مثل المعطي المانع الضار النافع المعز المذل الخافض الرافع وكقوله : { وإذا مرضت فهو يشفين } وكقوله : { صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين } وكقول الجن : { وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا } .
وقد ثبت في صحيح مسلم عن { النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في دعاء الاستفتاح والخير بيديك والشر ليس إليك } وسواء أريد به : أنه لا يضاف إليك ولا يتقرب به إليك أو قيل إن الشر إما عدم وإما من لوازم العدم وكلاهما ليس إلى الله فهذا يبين أنه سبحانه إنما يضاف إليه الخير وأسماؤه تدل على صفاته وذلك كله خير حسن جميل ليس فيه شر وإنما وقع الشر في المخلوقات قال تعالى { نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم } { وأن عذابي هو العذاب الأليم } وقال تعالى : { اعلموا أن الله شديد العقاب وأن الله غفور رحيم } وقال تعالى : { إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم } فجعل المغفرة والرحمة من معاني أسمائه الحسنى التي يسمي بها نفسه فتكون المغفرة والرحمة من صفاته وأما العقاب الذي يتصل بالعباد فهو مخلوق له وذلك هو الأليم فلم يقل : وإني أنا المعذب ولا في أسمائه الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم اسم المنتقم وإنما جاء المنتقم في القرآن مقيدا كقوله { إنا من المجرمين منتقمون } وجاء معناه مضافا إلى الله في قوله : { إن الله عزيز ذو انتقام } وهذه نكرة في سياق الإثبات والنكرة في سياق الإثبات مطلقة ليس فيها عموم على سبيل الجمع .
وذلك أن الله سبحانه حكيم رحيم وقد أخبر أنه لم يخلق المخلوقات إلا بحكمته كما قال في قوله تعالى : { وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا } وقال تعالى : { إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب } { الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا } وقال تعالى : { وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين } { لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين } وقال في السورة الأخرى : { ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون } وهذا يبين أن معنى قوله في سائر الآيات : ( بالحق هو لهذا المعنى الذي يتضمن حكمته كما قال : { وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق ويوم يقول كن فيكون } وقوله : { وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وإن الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميل } { إن ربك هو الخلاق العليم } .
وبعض الناس يظن أن قوله { هو الخلاق } إشارة إلى أنه خالق أفعال العباد فلا ينبغي التشديد في الإنكار عليهم بل يصفح عنهم الصفح الجميل لأجل القدر وهذا من أعظم الجهل فإنه سبحانه قد عاقب المخالفين له ولرسله .
وغضب عليهم وأمر بمعاقبتهم وأعد لهم من العذاب ما ينافي قول هؤلاء المعطلين لأمره ونهيه ووعده ووعيده .
وقوله { فاصفح الصفح الجميل } تعلق بما قبله وهو قوله { وإن الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميل } فإن لهم موعدا يجزون فيه كما قال تعالى في نظائر ذلك : { فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب } { فذكر إنما أنت مذكر } { لست عليهم بمسيطر } { إلا من تولى وكفر } { فيعذبه الله العذاب الأكبر } { إن إلينا إيابهم } { ثم إن علينا حسابهم } وقوله : { فتول عنهم حتى حين } وقوله { فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون } ولم يعذر الله أحدا قط بالقدر ولو عذر به لكان أنبياؤه وأولياؤه أحق بذلك وآدم إنما حج موسى لأنه لامه على المصيبة التي أصابت الذرية فقال له : لماذا أخرجتنا ونفسك من الجنة ؟ وما أصاب العبد من المصائب فعليه أن يسلم فيها لله ويعلم أنها مقدرة عليه كما قال تعالى : { ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه } قال علقمة - وقد روي عن ابن مسعود - : هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم : فالعبد مأمور بالتقوى والصبر فالتقوى فعل ما أمر به ومن الصبر الصبر على ما أصابه وهذا هو صاحب العاقبة المحمودة كما قال يوسف عليه السلام { إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين } وقال تعالى : { وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور } وقال : { وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا } وقال : { بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين } .
ولا بد لكل عبد من أن يقع منه ما يحتاج معه إلى التوبة والاستغفار ويبتلى بما يحتاج معه إلى الصبر فلهذا يؤمر بالصبر والاستغفار كما قيل لأفضل الخلق : { فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار } وقد بسط الكلام في غير هذا الموضع على مناظرة آدم وموسى ; فإن كثيرا من الناس حملوها على محامل مخالفة للكتاب والسنة وإجماع الأمة ومنهم من كذب بالحديث لعدم فهمه له والحديث حق يوجب أن الإنسان إذا جرت عليه مصيبة بفعل غيره مثل أبيه أو غير أبيه لا سيما إذا كان أبوه قد تاب منها فلم يبق عليه من جهة الله تبعة كما جرى لآدم صلوات الله عليه قال تعالى : { وعصى آدم ربه فغوى } { ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى } وقال : { فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه } وكان آدم وموسى أعلم بالله من أن يحتج أحدهما لذنبه بالقدر ويوافقه الآخر ولو كان كذلك لم يحتج آدم إلى توبة ولا أهبط من الجنة وموسى هو القائل : { رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي } وهو القائل : { رب اغفر لي ولأخي وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين } وهو القائل : { أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين } وهو القائل لقومه : { فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم } فلو كان المذنب يعذر بالقدر لم يحتج إلى هذا بل كان الاحتجاج بالقدر لما حصل من موسى ملام على ما قدر عليه من المصيبة التي كتبها الله وقدرها .
ومن الإيمان بالقدر أن يعلم العبد أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه فالمؤمن يصبر على المصائب ويستغفر من الذنوب والمعائب والجاهل الظالم يحتج بالقدر على ذنوبه وسيئاته ولا يعذر بالقدر من أساء إليه ولا يذكر القدر عند ما ييسره الله له من الخير فعكس القضية بل كان الواجب عليه إذا عمل حسنة أن يعلم أنها نعمة من الله هو يسرها وتفضل بها فلا يجب بها ولا يضيفها إلى نفسه كأنه الخالق لها وإذا عمل سيئة استغفر وتاب منها وإذا أصابته مصيبة سماوية أو بفعل العباد يعلم أنها كانت مقدرة مقضية عليه وهذا مبسوط في موضعه .
والمراد هنا أنه سبحانه بين أنه إنما خلق المخلوقات لحكمته وهذا معنى قوله : { بالحق } وقد ذم من ظن أنه خلق ذلك باطلا وعبثا فقال : { أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون } وقال : { أيحسب الإنسان أن يترك سدى } وقال : { إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب } { الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار } فلا بد من جزاء العباد على أعمالهم فلهذا قيل : { فاصفح الصفح الجميل } .
ولله سبحانه في كل ما يخلقه حكمة يحبها ويرضاها وهو سبحانه أحسن كل شيء خلقه وأتقن كل ما صنع فما وقع من الشر الموجود في المخلوقات فقد وجد لأجل تلك الحكمة المطلوبة المحبوبة المرضية فهو من الله حسن جميل وهو سبحانه محمود عليه وله الحمد على كل حال وإن كان شرا بالنسبة إلى بعض الأشخاص .
وهذا موضوع عظيم قد بسط في غير هذا الموضع فإن الناس - في باب خلق الرب وأمره ولم فعل ذلك - على طرفين ووسط : فالقدرية من المعتزلة وغيرهم قصدوا تعظيم الرب وتنزيهه عما ظنوه قبيحا من الأفعال وظلما ; فأنكروا عموم قدرته ومشيئته ولم يجعلوه خالقا لكل شيء ولا أنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن بل قالوا : يشاء ما لا يكون ويكون ما لا يشاء ثم إنهم وضعوا لربهم شريعة فيما يجب عليه ويحرم - بالقياس على أنفسهم - وتكلموا في التعديل والتجويز بهذا القياس الفاسد الذي شبهوا فيه الخالق بالمخلوق فضلوا وأضلوا .

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alrabany.forumegypt.net
 
افضلية بعض القرأن على بعض الجزء 4
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» افضلية بعض القرأن على بعض الجزء 3
» افضلية بعض القرأن على بعض الجزء 5
» افضلية بعض القرأن على بعض الجزء 6
» الجزء الثانى من القول فى افضلية بعض الفرأن على بعض
» افضليىة بعض القرأن ج7

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الطريق الربانى لطالب العلم الروحانى :: الطريق الربانى لطالب العلم الروحانى :: روحانية القران العظيم-
انتقل الى: