Admin Admin
عدد المساهمات : 129 تاريخ التسجيل : 20/03/2015
| موضوع: الجزء الثانى من القول فى افضلية بعض الفرأن على بعض الأحد مارس 22, 2015 8:48 pm | |
| بسم الله الرحمن الرحيم الجزء الثانى من القول فى افضلية بعض الفرأن على بعض وأما الصبر عن الشهوات والهوى الغالب لله لا رجاء لمخلوق ولا خوفا منه مع كثرة الدواعي إلى فعل الفاحشة واختياره الحبس الطويل على ذلك كما قال يوسف : { رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه } فهذا لا يوجد نظيره إلا في خيار عباد الله الصالحين وأوليائه المتقين كما قال تعالى : { كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين } فهذا من عباد الله المخلصين الذين قال الله تعالى فيهم : { إن عبادي ليس لك عليهم سلطان } ولهذا لم يصدر من يوسف الصديق ذنب أصلا بل الهم الذي هم به لما تركه لله كتب له به حسنة ولهذا لم يذكر عنه سبحانه توبة واستغفارا كما ذكر توبة الأنبياء كآدم وداود ونوح وغيرهم وإن لم يذكر عن أولئك الأنبياء فاحشة ولله الحمد وإنما كانت توباتهم من أمور أخر هي حسنات بالنسبة إلى غيرهم ولهذا لا يعرف ليوسف نظير فيما ابتلي به من دواعي الفاحشة وتقواه وصبره في ذلك . وإنما يعرف لغيره ما هو دون ذلك كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { سبعة يظلهم الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله : إمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله ورجل معلق قلبه بالمسجد إذا خرج حتى يعود إليه ورجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال : إني أخاف الله ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه } وإذا كان الصبر على الأذى لئلا يفعل الفاحشة أعظم من صبره على ظلم إخوته فكيف بصبر الرسل على أذى المكذبين لئلا يتركوا ما أمروا به من دعوتهم إلى عبادة الله وحده وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر ؟ فهذا الصبر هو من جنس الجهاد في سبيل الله إذ كان الجهاد مقصودا به أن تكون كلمة الله هي العليا وأن الدين كله لله فالجهاد والصبر فيه أفضل الأعمال كما قال النبي صلى الله عليه وسلم { رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله } وهو حديث صحيح رواه الإمام أحمد والترمذي وصححه وهو من حديث معاذ بن جبل الطويل - وهو أحب الأعمال إلى الله - فالصبر على تلك المعصية صبر المهاجر الذي هجر ما نهي عنه وصبر المجاهد الذي جاهد نفسه في الله وجاهد عدو الله الظاهر والباطن والمهاجر الصابر على ترك الذنب إنما جاهد نفسه وشيطانه ثم يجاهد عدو الله الظاهر لتكون كلمة الله هي العليا ويكون الدين كله لله وصبر المظلوم صبر المصاب . لكن المصاب بمصيبة سماوية تصبر نفسه ما لا تصبر نفس من ظلمه الناس فإن ذاك يستشعر أن الله هو الذي فعل به هذا فتيأس نفسه من الدفع والمعاقبة وأخذ الثأر بخلاف المظلوم الذي ظلمه الناس فإن نفسه تستشعر أن ظالمه يمكن دفعه وعقوبته وأخذ ثأره منه فالصبر على هذه المصيبة أفضل وأعظم كصبر يوسف صلوات الله عليه وسلامه وهذا يكون لأن صاحبه يعلم أن الله قدر ذلك فيصبر على ذلك كالمصائب السماوية ويكون أيضا لينال ثواب الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين وليسلم قلبه من الغل للناس وكلا النوعين يشترك في أن صاحبه يستشعر أن ذلك بذنوبه وهو مما يكفر الله به سيئاته ويستغفر ويتوب وأيضا فيرى أن ذلك الصبر واجب عليه وأن الجزع مما يعاقب عليه . وإن ارتقى إلى الرضا رأى أن الرضا جنة الدنيا ومستراح العابدين وباب الله الأعظم . وإن رأى ذلك نعمة لما فيه من صلاح قلبه ودينه وقربه إلى الله وتكفير سيئاته وصونه عن ذنوب تدعوه إليها شياطين الإنس والجن شكر الله على هذه النعم . فالمصائب السماوية والآدمية تشترك في هذه الأمور ومعرفة الناس بهذه الأمور وعلمهم بها هو من فضل الله يمن به على من يشاء من عباده ; ولهذا كانت أحوال الناس في المصائب وغيرها متباينة تباينا عظيما . ثم إذا شهد العبد القدر وأن هذا أمر قدره الله وقضاه وهو الخالق له فهو مع الصبر يسلم للرب القادر المالك الذي يفعل ما يشاء وهذا حال الصابر وقد يسلم تسليمه للرب المحسن المدبر له بحسن اختياره الذي { لا يقضي للمؤمن قضاء إلا كان خيرا له : إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له } كما رواه مسلم في صحيحه عن صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم . وهذا تسليم راض لعلمه بحسن اختيار الله له وهذا يورث الشكر . وقد يسلم تسليمه للرب المحسن إليه المتفضل عليه بنعم عظيمة . وإن لم ير هذا نعمة فيكون تسليمه تسليم راض غير شاكر . وقد يسلم تسليمه لله الذي لا إله إلا هو المستحق لأن يعبد لذاته وهو محمود على كل ما يفعله فإنه عليم حكيم رحيم لا يفعل شيئا إلا لحكمة وهو مستحق لمحبته وعبادته وحمده على كل ما خلقه . فهذا تسليم عبد عابد حامد وهذا من الحامدين الذين هم أول من يدعى إلى الجنة ومن بينهم صاحب لواء الحمد وآدم فمن دونه تحت لوائه . وهذا يكون القضاء خيرا له ونعمة من الله عليه . لكن يكون حمده لله ورضاه بقضائه من حيث عرف الله وأحبه وعبده لاستحقاقه الألوهية وحده لا شريك له فيكون صبره ورضاه وحمده من عبادته الصادرة عن هذه المعرفة والشهادة وهذا يشهد بقلبه أنه لا إله إلا الله والإله عنده هو المستحق للعبادة بخلاف من لم يشهد إلا مجرد ربوبيته ومشيئته وقدرته أو مجرد إحسانه ونعمته فإنهما مشهدان ناقصان قاصران وإنما يقتصر عليهما من نقص علمه بالله وبدينه الذي بعث به رسله وأنزل به كتبه كأهل البدع من الجهمية والقدرية الجبرية والقدرية المعتزلة فإن الأول مشهد أولئك والثاني مشهد هؤلاء وشهود ربوبيته وقدرته ومشيئته مع شهود رحمته وإحسانه وفضله مع شهود إلهيته ومحبته ورضاه وحمده والثناء عليه ومجده هو مشهد أهل العلم والإيمان من أهل السنة والجماعة التابعين بإحسان للسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار . وهذه الأمور لبسطها موضع آخر . والمقصود هنا أن هذا يكون للمؤمن في عموم المصائب وما يكون بأفعال المؤمنين فله فيه كظم الغيظ والعفو عن الناس . ويوسف الصديق صلوات الله عليه كان له هذا وأعلى من ذلك الصبر عن الفاحشة مع قوة الداعي إليها فهذا الصبر أعظم من ذلك الصبر بل وأعظم من الصبر على الطاعة . ولهذا قال سبحانه في وصف المتقين الذين أعد لهم الجنة : { وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين } { الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين } { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون } { أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين } فوصفهم بالكرم والحلم وبالإنفاق وكظم الغيظ والعفو عن الناس . ثم لما جاءت الشهوات المحرمات وصفهم بالتوبة منها فقال { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا } فوصفهم بالتوبة منها وترك الإصرار عليها لا بترك ذلك بالكلية ; فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الصحيح { كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة : فالعينان تزنيان وزناهما النظر والأذن تزني وزناها السمع واللسان يزني وزناه المنطق واليد تزني وزناها البطش والرجل تزني وزناها المشي والقلب يتمنى ويشتهي والفرج يصدق ذلك أو يكذبه } . وفي الحديث { كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون } . فلا بد للإنسان من مقدمات الكبيرة وكثير منهم يقع في الكبيرة فيؤمر بالتوبة ويؤمرون أن لا يصروا على صغيرة فإنه لا صغيرة مع إصرار ولا كبيرة مع استغفار . ويوسف صلى الله عليه وسلم صبر على الذنب مطلقا ولم يوجد منه إلا هم تركه لله كتب له به حسنة . وقد ذكر طائفة من المفسرين أنه وجد منه بعض المقدمات مثل حل السراويل والجلوس مجلس الخاتن ونحو ذلك لكن ليس هذا منقولا نقلا يصدق به فإن هذا لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم . ومثل هذه الإسرائيليات إذا لم تنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعرف صدقها ولهذا لا يجوز تصديقها ولا تكذيبها إلا بدليل والله تعالى يقول في القرآن : { كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء } فدل القرآن على أنه صرف عنه السوء والفحشاء مطلقا ولو كان قد فعل صغيرة لتاب منها . والقرآن ليس فيه ذكر توبته . ومن وقع منه بعض أنواع السوء والفحشاء لم يكن ذلك قد صرف عنه بل يكون قد وقع وتاب الله عليه منه والقرآن يدل على خلاف هذا . وقد شهدت النسوة له أنهن ما علمن عليه من سوء ولو كان قد بدت منه هذه المقدمات لكانت المرأة قد رأت ذلك وهي من النسوة اللاتي شهدن وقلن ما علمنا عليه من سوء وقالت مع ذلك : { ولقد راودته عن نفسه فاستعصم } وقالت : { أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين } . وقوله ( سوء نكرة في سياق النفي فدل ذلك على أن المرأة لم تر منه سوءا فإن الهم في القلب لم تطلع عليه ولو اطلعت عليه فإنه إذا تركه لله كان حسنة ولو تركه مطلقا لم يكن حسنة ولا سيئة فإنه لا إثم فيه إلا مع القول أو العمل . وأما قصة نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وغيرهم صلوات الله عليهم فتلك أعظم والواقع فيها من الجانبين فما فعلته الأنبياء من الدعوة إلى توحيد الله وعبادته ودينه وإظهار آياته وأمره ونهيه ووعده ووعيده ومجاهدة المكذبين لهم والصبر على أذاهم هو أعظم عند الله ولهذا كانوا أفضل من يوسف صلوات الله عليهم أجمعين وما صبروا عليه وعنه أعظم من الذي صبر يوسف عليه وعنه وعبادتهم لله وطاعتهم وتقواهم وصبرهم بما فعلوه أعظم من طاعة يوسف وعبادته وتقواه أولئك أولوا العزم الذين خصهم الله بالذكر في قوله : { وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم } وقال تعالى : { شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه } وهم يوم القيامة الذين تطلب منهم الأمم الشفاعة وبهم أمر خاتم الرسل أن يقتدى في الصبر فقيل له : { فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم } فقصصهم أحسن من قصة يوسف ; ولهذا ثناها الله في القرآن لا سيما قصة موسى . قال الإمام أحمد بن حنبل : أحسن أحاديث الأنبياء حديث تكليم الله لموسى . والمقصود هنا أن قوله : { أحسن القصص } قد قيل إنه مصدر وقيل إنه مفعول به والقولان متلازمان . لكن الصحيح أن القصص مفعول به وإن كان أصله مصدرا فقد غلب استعماله في المقصوص كما في لفظ الخبر والنبأ والاستعمال يدل على ذلك كما تقدم ذكره وقد اعترف بذلك أهل اللغة قال الجوهري : وقد قص عليه الخبر قصصا والاسم أيضا القصص بالفتح وضع موضع المصدر حتى صار أغلب عليه فقوله أحسن القصص كقوله : نخبرك أحسن الخبر وننبئك أحسن النبأ ونحدثك أحسن الحديث . ولفظ " الكلام " يراد به مصدر كلمه تكليما ويراد به نفس القول فإن القول فيه فعل من القائل هو مسمى المصدر والقول ينشأ عن ذلك الفعل ولهذا تارة يجعل القول نوعا من الفعل لأنه حاصل بعمل وتارة يجعل قسيما له يقال : القول والعمل وكذلك قد يقال في لفظ " القصص " و " البيان " و " الحديث " و " الخبر " ونحو ذلك . فإذا أريد بالقصص ونحوه المصدر الذي مسماه الفعل فهو مستلزم للقول والقول تابع وإذا أريد به نفس الكلام والقول فهو مستلزم للفعل تابع للفعل . فالمصادر الجارية على سنن الأفعال يراد بها الفعل كقولك كلمته تكليما وأخبرته إخبارا وأما ما لم يجر على سنن الفعل - مثل الكلام والخبر ونحو ذلك - فإن هذا إذا أطلق أريد به القول وكذلك قد يقال في لفظ القصص فإن مصدره القياسي قصا مثل عده عدا ومده مدا وكذلك قصه قصا وأما قصص فليس هو قياس مصدر المضعف ولم يذكروا على كونه مصدرا إلا قوله { فارتدا على آثارهما قصصا } وهذا لا يدل على أنه مصدر . بل قد يكون اسم مصدر أقيم مقامه كقوله : { والله أنبتكم من الأرض نباتا } وإن جعل مصدر قص الأثر لم يلزم أن يكون مصدر قص الحديث ; لأن الحديث خبر ونبأ فكان لفظ قصص كلفظ خبر ونبأ وكلام . وأسماء المصادر في باب الكلام تتضمن القول نفسه وتدل على فعل القائل بطريق التضمن واللزوم فإنك إذا قلت : الكلام والخبر والحديث والنبأ والقصص لم يكن مثل قولك : التكليم والإنباء والإخبار والتحديث ولهذا يقال إنه منصوب على المفعول به واسم المصدر ينتصب على المصدر كما في قوله { والله أنبتكم من الأرض نباتا } فإذا قال : كلمته كلاما حسنا وحدثته حديثا طيبا وأخبرته أخبارا سارة وقصصت عليه قصصا صادقة ونحو ذلك كان هذا منصوبا على المفعول به لم يكن هذا كقولك كلمته تكليما وأنبأته إنباء . فتبين أن قوله { أحسن القصص } منصوب على المفعول وكل ما قصه الله فهو أحسن القصص ولكن هذا إذا كان يتضمن معنى المصدر ومعنى المفعول به جاز أن ينتصب على المعنيين جميعا فإنهما متلازمان تقول : قلت قولا حسنا وقد أسمعته قولا ولم يسمع الفعل الذي هو مسمى المصدر وإنما سمع الصوت وتقول قال يقول قولا فتجعله مصدرا والصوت نفسه ليس هو مسمى المصدر إنما مسمى المصدر الفعل المستلزم للصوت ولكن هما متلازمان . ولهذا تنازع أهل السنة والحديث في التلاوة والقرآن هل هي القرآن المتلو أم لا ؟ وقد تفطن ابن قتيبة وغيره لما يناسب هذا المعنى وتكلم عليه وسبب الاشتباه أن المتلو هو القرآن نفسه الذي هو الكلام والتلاوة قد يراد بها هذا وقد يراد بها نفس حركة التالي وفعله وقد يراد بها الأمران جميعا فمن قال : التلاوة هي المتلو أراد بالتلاوة نفس القرآن المسموع وذلك هو المتلو ومن قال غيره أراد بالتلاوة حركة العبد وفعله وتلك ليست هي القرآن ومن نهى عن أن يقال التلاوة هي المتلو أو غير المتلو فلأن لفظ التلاوة يجمع الأمرين كما نهى الإمام أحمد وغيره عن أن يقال : لفظي بالقرآن مخلوق أو غير مخلوق ; لأن اللفظ يراد به الملفوظ نفسه الذي هو كلام الله ويراد به مصدر لفظ يلفظ لفظا وهو فعل العبد وأطلق قوم من أهل الحديث أن لفظي بالقرآن غير مخلوق وأطلق ناس آخرون أن لفظي به مخلوق قال ابن قتيبة : لم يتنازع أهل الحديث في شيء من أقوالهم إلا في مسألة اللفظ وهذا كان تنازع أهل الحديث والسنة الذين كانوا في زمن أحمد بن حنبل وأصحابه الذين أدركوه . ثم جاء بعد هؤلاء طائفة قالوا : التلاوة غير المتلو وأرادوا بالتلاوة نفس كلام الله العربي الذي هو القرآن وأرادوا بالمتلو معنى واحدا قائما بذات الله . وقال آخرون : التلاوة هي المتلو وأرادوا بالتلاوة نفس الأصوات المسموعة من القرآن جعلوا ما سمع من الأصوات هو نفس الكلام الذي ليس بمخلوق ولم يميزوا بين سماع الكلام من المتكلم وبين سماعه من المبلغ له عنه فزاد كل من هؤلاء وهؤلاء من البدع ما لم يكن يقوله أحد من أهل السنة والعلم فلم يكن من أهل السنة من يقول : إن القرآن العربي ليس هو كلام الله ولا يجعل المتلو مجرد معنى ولا كان فيهم من يقول : إن أصوات العباد - وغيرها من خصائصهم - غير مخلوق بل هم كلهم متفقون على أن القرآن المتلو هو القرآن العربي الذي نزله روح القدس من الله بالحق وهو كلام الله الذي تكلم به . ولكن تنازعوا في تلاوة العباد له : هل هي القرآن نفسه أم هي الفعل الذي يقرأ به القرآن ؟ . والتحقيق أن لفظ " التلاوة " يراد به هذا وهذا ولفظ " القرآن " يراد به المصدر ويراد به الكلام قال الله تعالى : { إن علينا جمعه وقرآنه } { فإذا قرأناه فاتبع قرآنه } { ثم إن علينا بيانه } وفي الصحيحين عن ابن عباس قال : إن علينا أن نجمعه في قلبك وتقرأه بلسانك . وقال أهل العربية : يقال قرأت الكتاب قراءة وقرآنا ومنه قول حسان : ضحوا بأشمط عنوان السجود به يقطع الليل تسبيحا وقرآنا وقد قال تعالى : { فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم } وقال تعالى : { وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا } وقال تعالى : { وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا } وهم إنما يستمعون الكلام نفسه ولا يستمعون مسمى المصدر الذي هو الفعل فإن ذلك لا يسمع فقوله { نحن نقص عليك أحسن القصص } من هذا الباب من باب نقرأ عليك أحسن القصص ونتلو عليك أحسن القصص كما قال تعالى : { نتلوا عليك من نبإ موسى وفرعون بالحق } وقال : { فإذا قرأناه } قال ابن عباس أي قراءة جبريل { فاتبع قرآنه } فاستمع له حتى يقضي قراءته . والمشهور في قوله { وإذا قرأت القرآن } أنه منصوب على المفعول به فكذلك أحسن القصص لكن في كلاهما معنى المصدر أيضا كما تقدم ففيه معنى المفعول به ومعنى المصدر جميعا وقد يغلب هذا كما في قوله { إن علينا جمعه وقرآنه } فالمراد هنا نفس مسمى المصدر وقد يغلب هذا تارة كما في قوله : { فاستمعوا له وأنصتوا } وقوله : { قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله } وقوله : { إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم } وغالب ما يذكر لفظ " القرآن " إنما يراد به نفس الكلام لا يراد به التكلم بالكلام الذي هو مسمى المصدر . ومثل هذا كثير في اللغة يكون أمران متلازمان إما دائما وإما غالبا فيطلق الاسم عليهما ويغلب هذا تارة وهذا تارة وقد يقع على أحدهما مفردا كلفظ " النهر " و " القرية " و " الميزاب " ونحو ذلك مما فيه حال ومحل فالاسم يتناول مجرى الماء والماء الجاري وكذلك لفظ القرية يتناول المساكن والسكان ثم تقول : حفر النهر فالمراد به المجرى وتقول جرى النهر فالمراد به الماء وتقول جرى الميزاب تعني الماء ونصب الميزاب تعني الخشب . وقال تعالى { وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع } والمراد السكان في المكان وقال تعالى { وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون } وقال تعالى { واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها } وقال تعالى : { وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا } وقال تعالى { وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة } وقال تعالى : { لتنذر أم القرى ومن حولها } وقال تعالى : { فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد } والخاوي على عروشه المكان لا السكان وقال تعالى : { أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها } لما كان المقصود بالقرية هم السكان كان إرادتهم أكثر في كتاب الله وكذلك لفظ النهر لما كان المقصود هو الماء كان إرادته أكثر كقوله : { وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم } وقوله : { وفجرنا خلالهما نهرا } فهذا كثير أكثر من قولهم حفرنا النهر . وكذلك إطلاق لفظ القرآن على نفس الكلام أكثر من إطلاقه على نفس التكلم . وكذلك لفظ الكلام والقول والقصص وسائر أنواع الكلام يراد بها نفس الكلام أكثر مما يراد بها فعل المتكلم وهذه الأمور لبسطها موضع آخر . والمقصود هنا أن قوله تعالى : { نحن نقص عليك أحسن القصص } المراد الكلام الذي هو أحسن القصص وهو عام في كل ما قصه الله لم يخص به سورة يوسف ; ولهذا قال : { بما أوحينا إليك هذا القرآن } ولم يقل بما أوحينا إليك هذه السورة والآثار المأثورة في ذلك عن السلف تدل كلها على ذلك وعلى أنهم كانوا يعتقدون أن القرآن أفضل من سائر الكتب وهو المراد . والمراد من هذا حاصل على كل تقدير فسواء كان أحسن القصص مصدرا أو مفعولا أو جامعا للأمرين فهو يدل على أن القرآن وما في القرآن من القصص أحسن من غيره فإنا قد ذكرنا أنهما متلازمان فأيهما كان أحسن كان الآخر أحسن . فتبين أن قوله تعالى { أحسن القصص } كقوله : { الله نزل أحسن الحديث } والآثار السلفية تدل على ذلك . والسلف كانوا مقرين بأن القرآن أحسن الحديث وأحسن القصص كما أنه المهيمن على ما بين يديه من كتب السماء فكيف يقال : إن كلام الله كله لا فضل لبعضه على بعض روى ابن أبي حاتم عن المسعودي { عن القاسم أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ملوا ملة فقالوا : حدثنا يا رسول الله فأنزل الله : { نحن نقص عليك أحسن القصص } ثم ملوا ملة فقالوا : حدثنا يا رسول الله فنزلت : { الله نزل أحسن الحديث } ثم ملوا ملة فقالوا : حدثنا يا رسول الله فأنزل الله : { ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق } } . وقد روى أبو عبيد في " فضائل القرآن " عن بعض التابعين فقال حدثنا حجاج عن المسعودي عن { عون بن عبد الله بن عتبة قال : مل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ملة فقالوا : يا رسول الله حدثنا فأنزل الله تعالى : { الله نزل أحسن الحديث } قال : ثم نعته فقال : { كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله } إلى آخر الآية قال : ثم ملوا ملة أخرى فقالوا : يا رسول الله حدثنا شيئا فوق الحديث ودون القرآن يعنون القصص فأنزل الله : { الر تلك آيات الكتاب المبين } - إلى قوله - { نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين } قال : فإن أرادوا الحديث دلهم على أحسن الحديث وإن أرادوا القصص دلهم على أحسن القصص . } ورواه ابن أبي حاتم بإسناد حسن مرفوعا عن مصعب بن سعد { عن سعد قال : نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن فتلاه عليهم زمانا . فقالوا : يا رسول الله لو قصصت علينا . فأنزل الله تعالى : { الر } { تلك آيات الكتاب المبين } { نحن نقص عليك أحسن القصص } فتلاه عليهم زمانا . } ولما كان القرآن أحسن الكلام نهوا عن اتباع ما سواه قال تعالى : { أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم } . وروى النسائي وغيره { عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى بيد عمر بن الخطاب [ شيئا من التوراة فقال ] : لو كان موسى حيا ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم . } وفي رواية { ما وسعه إلا اتباعي . } وفي لفظ : { فتغير وجه النبي صلى الله عليه وسلم لما عرض عليه عمر ذلك فقال له بعض الأنصار : يا ابن الخطاب ألا ترى إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال عمر : رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا . } ولهذا كان الصحابة ينهون عن اتباع كتب غير القرآن . وعمر انتفع بهذا حتى أنه لما فتحت الإسكندرية وجد فيها كتب كثيرة من كتب الروم فكتبوا فيها إلى عمر فأمر بها أن تحرق وقال : حسبنا كتاب الله . وروى ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا إسماعيل بن خليل حدثنا علي بن مسهر حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق عن خليفة بن قيس عن خالد بن عرفطة قال : كنت عند عمر بن الخطاب إذ أتي برجل من عبد القيس مسكنه بالسوس . فقال له عمر : أنت فلان بن فلان العبدي ؟ قال : نعم . قال : وأنت النازل بالسوس ؟ قال : نعم . فضربه بقناة معه فقال له : ما ذنبي ؟ قال فقرأ عليه { الر } { تلك آيات الكتاب المبين } { نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين } فقرأها عليه ثلاث مرات وضربه ثلاث ضربات ثم قال له عمر : أنت الذي انتسخت كتاب دانيال ؟ قال : نعم . قال : اذهب فامحه بالحميم والصوف الأبيض ولا تقرأه ولا تقرئه أحدا من الناس . فقرأ عليه عمر هذه الآية ليبين له أن القرآن أحسن القصص فلا يحتاج معه إلى غيره . وهذا يدل على أن القصص عام لا يختص بسورة يوسف ويدل على أنهم كانوا يعلمون أن القرآن أفضل من كتاب دانيال ونحوه من كتب الأنبياء . وكذلك مثل هذه القصة مأثورة عن ابن مسعود لما أتي بما كتب من الكتب محاه وذكر فضيلة القرآن كما فعل عمر رضي الله عنهما . وروى ابن أبي حاتم عن قتادة { نحن نقص عليك أحسن القصص } قال : من الكتب الماضية وأمور الله السالفة في الأمم { بما أوحينا إليك هذا القرآن } . وهذا يدل على أن أحسن القصص يعم هذا كله ; بل لفظ " القصص " يتناول ما قصه الأنبياء من آيات الله غير أخبار الأمم كقوله تعالى : { ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا } وقال في موضع آخر : { يتلون عليكم آيات ربكم } وقد قال تعالى : { وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه } . وروى ابن أبي حاتم بالإسناد المعروف عن ابن عباس قال : مؤتمنا عليه . قال : وروي عن عكرمة والحسن وسعيد بن جبير وعطاء الخراساني أنه الأمين . وروي من تفسير الوالبي عن ابن عباس قال : المهيمن الأمين قال : على كل كتاب قبله وكذلك عن الحسن قال : مصدقا بهذه الكتب وأمينا عليها . ومن تفسير الوالبي أيضا عن ابن عباس ومهيمنا عليه قال : شهيدا وكذلك قال السدي عن ابن عباس وقال في قوله : " ومهيمنا عليه " على كل كتاب قبله . قال : وروي عن سعيد بن جبير وعكرمة وعطية وعطاء الخراساني ومحمد بن كعب وقتادة والسدي وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم نحو ذلك . وابن أبي حاتم قد ذكر في أول كتابه في التفسير أنه طلب منه إخراج تفسير القرآن مختصرا بأصح الأسانيد وأنه تحرى إخراجه بأصح الأخبار إسنادا وأشبعها متنا وذكر إسناده عن كل من نقل عنه شيئا . فالسلف كلهم متفقون على أن القرآن هو المهيمن المؤتمن الشاهد على ما بين يديه من الكتب ومعلوم أن المهيمن على الشيء أعلى منه مرتبة . ومن أسماء الله " المهيمن " ويسمى الحاكم على الناس القائم بأمورهم " المهيمن " . قال المبرد والجوهري وغيرهما : المهيمن في اللغة المؤتمن . وقال الخليل : الرقيب الحافظ وقال الخطابي : المهيمن الشهيد . قال وقال بعض أهل اللغة : الهيمنة القيام على الشيء والرعاية له وأنشد : ألا إن خير الناس بعد نبيهم مهيمنه التاليه في العرف والنكر يريد القائم على الناس بالرعاية لهم . وفي مهيمن قولان : قيل أصله مؤيمن والهاء مبدلة من الهمزة وقيل بل الهاء أصلية . وهكذا القرآن فإنه قرر ما في الكتب المتقدمة من الخبر عن الله وعن اليوم الآخر وزاد ذلك بيانا وتفصيلا . وبين الأدلة والبراهين على ذلك وقرر نبوة الأنبياء كلهم ورسالة المرسلين وقرر الشرائع الكلية التي بعثت بها الرسل كلهم . وجادل المكذبين بالكتب والرسل بأنواع الحجج والبراهين وبين عقوبات الله لهم ونصره لأهل الكتب المتبعين لها وبين ما حرف منها وبدل وما فعله أهل الكتاب في الكتب المتقدمة وبين أيضا ما كتموه مما أمر الله ببيانه وكل ما جاءت به النبوات بأحسن الشرائع والمناهج التي نزل بها القرآن فصارت له الهيمنة على ما بين يديه من الكتب من وجوه متعددة فهو شاهد بصدقها وشاهد بكذب ما حرف منها وهو حاكم بإقرار ما أقره الله ونسخ ما نسخه فهو شاهد في الخبريات حاكم في الأمريات . وكذلك معنى " الشهادة " و " الحكم " يتضمن إثبات ما أثبته الله من صدق ومحكم وإبطال ما أبطله من كذب ومنسوخ وليس الإنجيل مع التوراة ولا الزبور بهذه المثابة بل هي متبعة لشريعة التوراة إلا يسيرا نسخه الله بالإنجيل ; بخلاف القرآن . ثم إنه معجز في نفسه لا يقدر الخلائق أن يأتوا بمثله ففيه دعوة الرسول وهو آية الرسول وبرهانه على صدقه ونبوته وفيه ما جاء به الرسول وهو نفسه برهان على ما جاء به . وفيه أيضا من ضرب الأمثال وبيان الآيات على تفضيل ما جاء به الرسول ما لو جمع إليه علوم جميع العلماء لم يكن ما عندهم إلا بعض ما في القرآن . ومن تأمل ما تكلم به الأولون والآخرون في أصول الدين والعلوم الإلهية وأمور المعاد والنبوات والأخلاق والسياسات والعبادات وسائر ما فيه كمال النفوس وصلاحها وسعادتها ونجاتها لم يجد عند الأولين والآخرين من أهل النبوات ومن أهل الرأي كالمتفلسفة وغيرهم إلا بعض ما جاء به القرآن . ولهذا لم تحتج الأمة مع رسولها وكتابها إلى نبي آخر وكتاب آخر ; فضلا عن أن تحتاج إلى شيء لا يستقل بنفسه غيره سواء كان من علم المحدثين والملهمين أو من علم أرباب النظر والقياس الذين لا يعتصمون مع ذلك بكتاب منزل من السماء . ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح { إنه كان في الأمم قبلكم محدثون فإن يكن في أمتي أحد فعمر } . فعلق ذلك تعليقا في أمته مع جزمه به فيمن تقدم لأن الأمم قبلنا كانوا محتاجين إلى المحدثين كما كانوا محتاجين إلى نبي بعد نبي وأما أمة محمد صلى الله عليه وسلم فأغناهم الله برسولهم وكتابهم عن كل ما سواه حتى أن المحدث منهم كعمر بن الخطاب رضي الله عنه إنما يؤخذ منه ما وافق الكتاب والسنة وإذا حدث شيئا في قلبه لم يكن له أن يقبله حتى يعرضه على الكتاب والسنة . وكذلك لا يقبله إلا إن وافق الكتاب والسنة . وهذا باب واسع في فضائل القرآن على ما سواه . والمقصود أن نبين أن مثل هذا هو من العلم المستقر في نفوس الأمة السابقين والتابعين ولم يعرف قط أحد من السلف رد مثل هذا ولا قال : لا يكون كلام الله بعضه أشرف من بعض فإنه كله من صفات الله ونحو ذلك إنما حدث هذا الإنكار لما ظهرت بدع الجهمية الذين اختلفوا في الكتاب وجعلوه عضين . وممن ذكر " تفضيل بعض القرآن على بعض في نفسه " أصحاب الشافعي وأحمد وغيرهما كالشيخ أبي حامد الإسفرائيني والقاضي أبي الطيب وأبي إسحاق الشيرازي وغيرهم ومثل القاضي أبي يعلى والحلواني الكبير وابنه عبد الرحمن وابن عقيل قال أبو الوفاء ابن عقيل في " كتاب الواضح في أصول الفقه " في احتجاجه على أن القرآن لا ينسخ بالسنة قال : فمن ذلك قوله : { ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها } وليست السنة مثل القرآن ولا خيرا منه فبطل النسخ بها لأنه يؤدي إلى المحال وهو كون خبره بخلاف مخبره وذلك محال على الله فما أدى إليه فهو محال . قال : فإن قيل : أصل استدلالكم مبني على أن المراد بالخير الفضل وليس المراد به ذلك وإنما المراد نأت بخير منها لكم وذلك يرجع إلى أحد أمرين في حقنا : إما سهولة في التكليف فهو خير عاجل أو أكثر ثوابا لكونه أثقل وأشق ويكون نفعا في الآجل والعاقبة وكلاهما قد يتحقق بطريق السنة . ويحتمل : نأت بخير منها لا ناسخا لها بل يكون تكليفا مبتدأ هو خير لكم وإن لم يكن طريقه القرآن الناسخ ولا السنة الناسخة . قالوا : يوضح هذه التأويلات أن القرآن نفسه ليس بعضه خيرا من بعض فلا بد أن يصرفوا اللفظ عن ظاهره من خير يعود إلى التكليف لا إلى الطريق . وقال في الجواب : قولهم : الخير يرجع إلى ما يخصنا من سهولة أو ثواب لا يصح ; لأنه لو أراد ذلك لقال : " لكم " . فلما حذف ذلك دل على ما يقتضيه الإطلاق وهو كون الناسخ خيرا من جهة نفسه وذاته ومن جهة الانتفاع به في العاجل والآجل على أن ظاهره يقتضي : بآيات خير منها فإن ذلك يعود إلى الجنس كما إذا قال القائل : ما آخذ منك دينارا إلا أعطيك خيرا منه لا يعقل بالإطلاق إلا دينارا خيرا منه فيتخير من الجنس أولا ثم النفع فإما أن يرجع ذلك إلى ثوب أو عرض غير الدينار فلا وفي آخر الآية ما يشهد بأنه أراد به القرآن لأنه قال : { ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير } ووصفه لنفسه بالقدرة يدل على أن الذي يأتي به هو أمر يرجع إليه دون غيره وكذلك قوله { أو مثلها } يشهد لما ذكرناه لأن المماثلة يقتضي إطلاقها من كل وجه لا سيما وقد أنثها تأنيث الآية فكأنه قال : نأت بآية خير منها أو بآية مثلها . " قلت " : وأيضا فلا يجوز أن يراد بالخير من جهة كونه أخف عملا أو أشق وأكثر ثوابا لأن هذين الوصفين ثابتان لكل ما أمر الله به مبتدأ وناسخا فإنه إما أن يكون أيسر من غيره في الدنيا وإما أن يكون أشق فيكون ثوابه أكثر فإذا كانت هذه الصفة لازمة لجميع الأحكام لم يحسن أن يقال ما ننسخ من حكم نأت بخير منه أو مثله فإن المنسوخ أيضا يكون خيرا ومثلا بهذا الاعتبار فإنهم إن فسروا الخير بكونه أسهل فقد يكون المنسوخ أسهل فيكون خيرا وإن فسروه بكونه أعظم أجرا لمشقته فقد يكون المنسوخ كذلك والله قد أخبر أنه لا بد أن يأتي بخير مما ينسخه أو مثله فلا يأتي بما هو دونه . وأيضا فعلى ما قالوه لا يكون شيء خيرا من شيء بل إن كان خيرا من جهة السهولة فذلك خير من جهة كثرة الأجر . قال ابن عقيل : وأما قولهم إن القرآن في نفسه لا يتخاير ولا يتفاضل فعلم أنه لم يرد به الخير الذي هو الأفضلية فليس كذلك فإن توحيد الله الذي في " سورة الإخلاص " وما ضمنها من نفي التجزؤ والانقسام أفضل من " تبت " المتضمنة ذم أبي لهب وذم زوجته إن شئت في كون المدح أفضل من القدح وإن شئت في الإعجاز فإن تلاوة غيرها من الآيات التي تظهر منها الفصاحة والبيان أفضل وليس من حيث كان المتكلم واحدا لا يكون التفاضل لمعنى يعود إلى الكلام ثانيا كما أن المرسل واحد لذي النون وإبراهيم وإبراهيم أفضل من ذي النون .
| |
|
ahmed2015
عدد المساهمات : 62 تاريخ التسجيل : 26/03/2015
| موضوع: رد على الموضوع الخميس أبريل 02, 2015 2:12 pm | |
| اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا مشكورجهدك يا شيخنا | |
|
ahmed2015
عدد المساهمات : 62 تاريخ التسجيل : 26/03/2015
| موضوع: رد على الموضوع الخميس أبريل 02, 2015 2:18 pm | |
| اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا مشكورجهدك يا شيخنا
| |
|