الطريق الربانى لطالب العلم الروحانى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 تفسير سورة الفاتحة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin



عدد المساهمات : 129
تاريخ التسجيل : 20/03/2015

تفسير سورة الفاتحة Empty
مُساهمةموضوع: تفسير سورة الفاتحة   تفسير سورة الفاتحة Emptyالسبت أبريل 11, 2015 8:15 pm

تفسير سورة الفاتحة

بين يدي السورة:
أولاً- أسماؤها:
كثرة الأسماء تدل على شرف المسمى، وقد وردت أسماء كثيرة لسورة الفاتحة، منها ما ثبت بالنص ومنها ما استنبط من خلال ما قيل عنها، وسنقتصر على ما ثبت من أسمائها بالنص الصحيح.

أ‌- الفاتحة أو ( فاتحة الكتاب):
أخرج مسلم في صحيحه، والنسائي في سننه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: بينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعنده جبريل إذ سمع نقيضاً فوقه، فرفع جبريل بصره إلى السماء فقال: هذا باب قد فتح من السماء ما فتح قط، قال: فنزل منه ملك فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: أبشر بنورين قد أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ أحرفاً منهما إلا أوتيته.

وقيل في تعليل هذه التسمية لأنها أول ما يفتح به الكتاب، فهي أول ما يكتبه الكاتب من المصحف، وأول ما يتلوه التالي من القرآن العظيم.

وفي الصحيحين من حديث عبادة بن الصامت -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: لا صلاة لمن لم يقرأ فاتحة الكتاب[1].

وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من صلى صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خراج-يقولها ثلاثاً-).

أم الكتاب:
ورد في سنن أبي داود ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 2] أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني[2].

قال الإمام البخاري في أول كتاب التفسير: (وسميت أم الكتاب لأنه يبدأ بكتابتها في المصاحف، ويبدأ بقراءتها في الصلاة).

قال ابن جرير: والعرب تسمي كل جامع أمر أو مقدم لأمر إذا كانت له توابع تتبعه (أماً).

1- أم القرآن:
في صحيح البخاري: (أم القرآن هي السبع المثاني والقرآن العظيم)، وأخرج مسلم والنسائي من حديث أبي هريرة: (من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خراج، ثلاثاً، غير تامة).

2- السبع المثاني:
أخرج البخاري وأحمد وأبو داود والنسائي من حديث أبي سعيد بن المعلى أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال له: (لأعلمنك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد، قال: فأخذ بيدي، فلما أراد أن يخرج من المسجد قلت: يا رسول الله إنك قلت لأعلمنك أعظم سورة في القرآن، قال: نعم، الحمد لله رب العالمين، هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته)، قالوا: سميت بذلك لأنها تثنى في الصلاة فتقرأ في كل ركعة.

3- سورة الصلاة:
روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: قال الله عز وجل: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 2] قال الله تعالى: (حمدني عبدي، وإذا قال العبد ﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ قال الله: أثنى علي عبدي، وإذا قال: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل فإذا قال:﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ قال هؤلاء لعبدي ولعبدي ما سأل[3].

4- سورة الرقية:
في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري قال: كنا في مسير لنا فنزلنا فجاءت جارية، فقالت: إن سيد الحي سليم، وإن نفرنا غيّب فهل منكم راق؟ فقام معها رجل ما كنا نَأْبِنُه[4] برقية فرقاه فبرأ، فأمر له بثلاثين شاة، وسقانا لبناً، فلما رجع، قلنا له أكنت تحسن رقبة أو كنت ترقى؟ قال: لا ما رقيت إلا بأم الكتاب، قلنا لا تحدثوا شيئاً حتى نأتي ونسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلما قدمنا المدينة ذكرناه للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: (وما كان يدريه أنها رقية اقسموا واضربوا لي بسهم)[5].


ثانياً- فضائل سورة الفاتحة:
أغلب الأحاديث التي ذكرت أسماء الفاتحة تدل على فضائلها فمن هذه الفضائل:
1- سورة الفاتحة أعظم سور القرآن الكريم وقد تقدم حديث أبي سعيد المعلى عندما قال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لأعلمنك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد... ثم ذكر له أنها سورة الحمد لله رب العالمين وهي السبع المثاني والقرآن العظيم[6].

2- لا مثيل لسورة الفاتحة في الكتب المنزلة فقد أخرج أحمد والترمذي وصححه من حديث أبي بن كعب أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: (أتحب أن أعلمك سورة لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها؟ ثم أخبره أنها الفاتحة.

3- سورة الفاتحة نور:
وتقدم الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه... فنزل منه ملك فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال أبشر بنورين قد أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ حرفاً منهما إلا أوتيته.

4- سورة الفاتحة:
رقية وعلاج ودواء وشفاء للأسقام المادية والمعنوية، وتقدمت الأحاديث في ذلك، عندما رقى الصحابي اللديغ بالفاتحة، وكذلك الحديث الذي أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي والحاكم وصححه عن خارجة ابن الصلت التميمي عن عمه: أنه أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم أقبل راجعاً من عنده، فمر على قوم وعندهم رجل مجنون موثوق بالحديد، فقال أهله: أعندك ما تداوي به هذا؟ فإن صاحبكم قد جاء بخير، قال: فقرأت عليه فاتحة الكتاب ثلاثة أيام في كل يوم مرتين غدوة وعشية، أجمع بزاقي ثم أتفل فبرأ فأعطاني مائة شاة، فأتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكرت ذلك له فقال: كل فمن أكل برقية باطل فقد أكلت برقية حق.

ثالثاً- عدد آيات الفاتحة:
أجمع العلماء على أن فاتحة الكتاب سبع آيات، إلا أنهم اختلفوا في الآية السابعة، فمن جعل البسملة أولى آياتها[7]، قال إن قوله تعالى:﴿ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ آية واحدة وهي السابعة، ومن لم يجعل البسملة آية من الفاتحة[8]قال ﴿ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ﴾ لآية السادسة و ﴿ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ الآية السابعة[9].

قال الخازن: وهي سبع آيات بالاتفاق، وسبع وعشرون كلمة، ومائة وأربعون حرفاً[10].

رابعاً- وقت نزولها:
قال جمهور العلماء: نزلت سورة الفاتحة بمكة، ولهم أدلة على ذلك، منها:
1- أخرج أبو بكر بن الأنباري في المصاحف عن عبادة قال: فاتحة الكتاب نزلت بمكة.

2- وأخرج الواحدي في أسباب النزول عن علي قال: نزلت فاتحة الكتاب بمكة عن كنز تحت العرش.

3- وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن رجل من بني سلمة قال: لما أسلمت فتيان بني سلمة... فسأله فقرأ عليه: الحمد لله رب العالمين، وكان ذلك قبل الهجرة.

4- وقالوا: لم تكن صلاة في الإسلام بدون فاتحة الكتاب، ومن المعلوم أن الصلاة شرعت في الأيام الأولى من البعثة، وفرضت الصلوات الخمس في ليلة الإسراء والمعراج، وكانت قبل الهجرة بثلاث سنوات.

وقال مجاهد:
♦ إنها نزلت في المدينة، واعتبر بعض العلماء أن هذا القول كبوة جواد من مجاهد، والرواية التي استندوا عليها هي ما أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف، وأبو سعيد ابن الأعرابي في معجمه والطبراني في الأوسط من طريق مجاهد عن أبي هريرة: رنَّ إبليس حين أنزلت فاتحة الكتاب، ونزلت بالمدينة، ولا تقوم بهذه الرواية حجة.

♦ وقيل نزلت مرتين، مرة في مكة حين فرضت الصلاة، ومرة في المدينة حين حولت القبلة، ولذلك سميت مثاني، قاله البنوي، وأيضاً هذا القول لا دليل عليه، وفي القول بنزول بعض السور أو الآيات مرتين نظر.

والراجح القول الأول- أي أنها سورة مكية، لقوله تعالى:﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ﴾ [الحجر: 87] وهذه الآية في سورة الحجر، وسورة الحجر مكية بالإجماع، وقد صح في الحديث قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن الفاتحة إنها السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته.

خامساً- موضوعات سورة الفاتحة:
قال جلة من علماء التفسير: إن سورة الفاتحة اشتملت على أغراض القرآن الأساسية، فمن الموضوعات في سورة الفاتحة:
1- الألوهية:
التوحيد بأنواعه: توحيد الألوهية، وتوحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات، فأخذ ذلك من قوله تعالى:﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾

2- اليوم الآخر:
هو يوم الدين الذي يلقى العبد فيه حسابه على ما قدمت يداه في الحياة الدنيا، وكل ما يكون بعد الموت يتعلق بيوم الدين، فالحياة البرزخية والبعث بعد الموت، والحشر والحساب والميزان والصراط، والاستقرار في الجنة أو النار، كلها من متعلقات يوم الدين، اليوم الآخر، فأخذ ذلك من قوله تعالى:﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ [الفاتحة: 4]

3- عبادة الله سبحانه وتعالى:
والإخلاص لله تعالى فيها، العبادة بمفهومها الواسع وتدخل الشعائر التعبدية من صلاة وزكاة وصوم وحج وجهاد وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، في مفهوم العبادة الواسع دخولاً أولياً، فإن حياة المؤمن ومماته على منهج الله وفي طاعته كلها عبادة كما تشير الآية الكريمة ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ* لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأنعام: 162-163]، وهذا يدل عليه قوله تعالى: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾.

4- الاستعانة بالله وحده:
في كل الأمور وجميع شؤون الحياة، ما تعلق منها بالمعاش وما تعلق منها بالتوفيق لصالح العمل والإخلاص فيه، والقبول عند الله في كل ما يعمله العبد وما يدع، فالله الموفق لصالح العمل المعين على أدائه المتفضل بقبوله، وهو ما دل عليه قوله تعالى: ﴿ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾

5- الالتزام بالصراط المستقيم:
بعد الاهتداء إليه فضل عظيم من الله تعالى يوفق عباده المخلصين، وللصراط المستقيم دلالة واسعة يشمل كل ما جاء من الله سبحانه وتعالى وأنزله على أنبيائه ورسله من لدن آدم عليه السلام إلى خاتمهم محمد -صلى الله عليه وسلم-، الذي اشتملت رسالته على جميع الرسالات وهداياتها، كما أشارت الآية الكريمة (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه) المائدة/48، وكل ذلك في قوله تعالى: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾.

6- صراط المنعم عليهم:
من عباد الله المصطفين المخلصين، الذين جاء ذكرهم في قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴾ [النساء: 69]، وهذا الصراط بمفهومه المديد عبر تاريخ البشرية يشمل معتقدا ت المنعم عليهم، وأساليبهم في دعوة الأقوام إلى الخير الذي التزموا به، والعظات والعبر التي أخذت من الحوادث التي مرت بهم، وما خلفوه وراءهم من سير عطرة، وحضارات ربانية بقيت منارات ومعالم يهتدي بها على مر العصور.

7- تجنب صراط المغضوب عليهم والضالين:
وهما نموذجان من البشر:
الأول: عرف الحق ثم عاداه وتنكب طريقه، بسبب الحسد أو العناد أو اتباعاً للهوى، وعلى رأس هذا النموذج اليهود.
والثاني: فئات الضلال، ولا تحصى هذه الفئات فمنهم من أضل الطريق فلم يهتد إلى الحق، ومن منهم من ضل في متاهات الأفكار البشرية، ومنهم من انحرف عن منهج الحق وجادة الصواب، وكلما استجدت أفكار وأحداث استجدت فئات الضلال، وعلى رأس هؤلاء الضالين النصارى.

وقد ورد في الحديث النبوي تمثيل هذين النموذجين (المغضوب عليهم اليهود والضالون النصارى) كما في حديث عدي بن حاتم -رضي الله عنه-.

ولو رجعنا إلى أغراض القرآن المكي لوجدناها تدور حول (التوحيد، اليوم الآخر، النبوات، أمهات العبادات والأخلاق) ولو رجعنا إلى أغراض القرآن المدني لوجدناها تدور حول (بناء المجتمع الإسلامي بتشريع العبادات والمعاملات، وحمايته من مكائد الأعداء والمنافقين من الخارج والداخل، وصيانته من الانحرافات والأخطاء).

وكل هذه الأغراض في السور المكية والمدنية تعود إلى الأغراض المذكورة في الفاتحة، ولعلنا ندرك بعد هذا البيان الحكمة من وصف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لسورة الفاتحة أنها (أم الكتاب وأم القرآن)، فهي كالأم ومن الأم تتوالد الذرية وتتكاثر، وإلى الأم يرجع في الانتساب فمن موضوعات سورة الفاتحة المجملة تأتي التفصيلات في السور الأخرى، وكل أغراض السور القرآنية ترجع إلى هذه الأساسيات المجملة في سورة الفاتحة.

وهل يمكننا بعد هذا البيان أن نفهم من قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ﴾ [الحجر: 87]، ومن قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الفاتحة إنها السبع المثاني القرآن العظيم الذي أوتيته.

أن الفاتحة سبع آيات اشتملت على سبعة أهداف، وهذه الأهداف تثنى في سور القرآن الكريم وتكرر من خلال محاور السور وأغراضها؟؟.

سادساً- محور سورة الفاتحة:
يمكن أن يقال إن لسورة الفاتحة محوراً واحداً هو (بيان طريق العبودية لله وحده) كما يمكن أن يقال إن للفاتحة عدة محاور، هي المحاور التي يدور عليها القرآن الكريم كله بسوره المكية والمدنية.

ولعل إشارة ابن مسعود إلى هذا الجانب الأخير، فقد أخرج عبد بن حميد عن إبراهيم قال: كان عبد الله بن مسعود لا يكتب فاتحة الكتاب في المصحف، وقال: لو كتبتها لكتبت في أول كل سورة، وكأنه يرى أن كل سورة تفصل جانباً أو محوراً مما اشتملت عليه سورة الفاتحة، وهذا ما أطلقنا عليه عنوان (موضوعات سورة الفاتحة)، وسيأتي تفصيله فيما بعد.

وفصل محمد بن جزي الكلبي ذلك وكأنه شرح لكلام ابن مسعود يقوله: (سميت أم القرآن لأنها جمعت معاني القرآن كله، فكأنها نسخة مختصرة، وكأن القرآن كله بعدها تفصيل لها، وذلك لأنها جمعت:
♦ الإلهيات في ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾
♦ والدار الآخرة في ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ [الفاتحة: 4]
♦ والعبادات كلها من الاعتقاد والأحكام التي تقتضيها الأوامر والنواهي في ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5]
♦ والشريعة كلها في ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ [الفاتحة: 6]
♦ والأنبياء وغيرهم في ﴿ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ﴾ [الفاتحة: 7]
♦ وذكر طوائف الكفار في ﴿ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾.

ولو أضاف أمراً سابعاً أو محوراً سابعاً وهو (طريق العبودية إلى الله تعالى في قوله تعالى: ﴿ اهْدِنَا ﴾ لاكتملت المحاور السبعة، ولألقى ضوءً على سر تسميتها بالسبع المثاني والقرآن العظيم).

سابعاً: التفسير الإجمالي للفاتحة:
سورة الحمد أفضل سورة في القرآن، اشتملت على آداب وحكم ومواعظ في غاية الشمول والعموم والدقة والروعة والجمال.

ففيها براعة الاستهلال، وحسن الثناء على خالق الكون ومدبر أمره، الذي خلق ورزق، ولطف بعموم رحمته وعميم فضله، وإليه مصي الخلائق للحساب جزاء وفاقاً.

وفي هذه السورة تعليم العباد بالتوجه إلى بارئهم بتقديم الوسائل التي شرعها لهم ربهم، والتقرب إليه بخالص النيات لتثبيتهم على شرائع الإسلام بالتمسك بالعروة الوثقى، وحبل الله المتين، الذي تمسك به عباده المنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، والذي طرفه من عند الله وطرفه الآخر في جنات النعيم، وأن يجنبهم الزلل في المعتقد والانحراف في السلوك، كما كان حال ملل عرفت الحق فتنكبته عن عمد وسبق إصرار فاستحقوا غضب الله ومقته، وملل تاهت عن الحق فضلت سبيل الهداية، فهم في كل وادٍ يهيمون.

إن هذه المعاني التي اشتملت عليها سورة الفاتحة من الثناء على الله سبحانه وتعالى واللجوء إليه في الدعاء، رمز هذه العبودية التي يتقرب بها المؤمن إلى الله عز وجل، فيتعلق قلبه بربه رب العالمين، ويحاسب نفسه في تلك المحطات التي يقف فيها بين يديه ليستشعر عظمة مالك يوم الدين فيعيد النظر فيما قدمه بين الصلاتين من قول أو عمل ليدرك في أي كفتي الميزان توضع، وليدرك أن لا توفيق ولا فلاح إلا من وفقه الرحمن الرحيم وأخذ بناصيته إلى الخير والطاعة وثبته عليها، وان من سلك سبيل الغي وابتع هواه وانساق وراء أهل الزيغ والضلال فنهايته إلى غضب الله وعذابه.

فليدرك المؤمن هذا الاستشعار والتوجه في أعماقه وهو يقف بين يدي ربه في صلاته ودعائه، وليقل بعد قراءة هذه السورة العظيمة الجامعة (آمين) أي استجب يا ربنا لدعائنا.

ثامناً- الهدايات والحكم والآداب فيها:
1- تسميتها بفاتحة الكتاب:
يدل على فضلها وشرفها، لأن الابتداء بالشيء يدل على أهميته، وتقدمه على غيره، وفي سورة الفاتحة براعة الاستهلال وجمال الابتداء.

2- تسميها بأم الكتاب وأم القرآن:
لأنها مشتملة على أغراض القرآن الأساسية، فسور القرآن الكريم كالتفصيل لما ورد في الفاتحة من الإجمال، فصارت كالأصل، والأم تشبيهاً بالأم التي هي منشأ الولد، من حيث ابتداء الظهور والوجود.

3- تسميتها بالسبع المثاني:
لأنها سبع آيات تثنى -تكرر- في الصلوات، أو تكرر معانيها في سور القرآن الكريم.

4- يسن للقارئ بعد فراغه من الفاتحة:
أن يقول (آمين) مفصولاً عنها بسكتة، ويقولها المأموم أيضاً، في صحيح البخاري: أن الإمام إذا قرأ غير المغضوب عليهم ولا الضالين، فقولوا: آمين، فإن الملائكة تقول: آمين، فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه، وأخرج أحمد وابن ماجة والبيهقي بسند صحيح عن عائشة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على السلام بالتأمين).

5- استحباب التوسل إلى الله عز وجل:
قبل الدعاء بأسمائه الحسنى وصفاته العلى والثناء عليه وتمجيده، فهو أرجى للإجابة.

6- الله جل جلاله المستحق بالعبادة وحده، ومنه وحده تطلب المعونة على أدائها، وسائر شؤون الحياة.

7- لزوم المداومة على الدعاء:
بالثبات على الدين القويم والالتزام بشرائع الله سبحانه وتعالى (فقلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء)، ومن دعاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (اللهم يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك)[11].

8- استحباب الدعاء:
بصيغة الجمع ليضم دعاءه إلى دعاء الصالحين فهو أدعى للقبول، وكأنه يقول: انني العبد المذنب المقصر أرفع حاجتي مع حاجات عبادك الصالحين، فشفعهم في، فلا يليق بجناب الكريم أن يقضي بعض الحاجات ويرد بعضها، وقد رفعت مجتمعه.

9- الاقبال على الله سبحانه وتعالى:
عنوان السعادة وجملة الخير والفلاح والأعراض عن الله تعالى والبعد عن شرائعه والالتزام بها رأس المفاسد والمعاصي والآفات والخذلان في الدنيا والآخرة وذلك لأن أول الفاتحة اشتمل على الحمد لله والثناء عليه، وآخرها في ذم المعرضين عن الإيمان وتنكب شرائعه وطاعته[12].

10- شأن المؤمن أن يكون من الرجاء والخوف:
فهما كجناحي الطائر ليعتدل طيرانه، فإن اختل أحدهما لم يستقم أمره، وكذلك المؤمن في سيره إلى الله تعالى فيدعو ربه ليهديه إلى طريق المنعم عليهم ويرجو ذلك ويتطلع إليه، ويستعيذ بالله من أن يكون مع المغضوب عليهم والضالين، فهو يخاف أن ينضم إلى فئاتهم ويحشر معهم.

________________________________________
[1] صحيح البخاري، الحديث رقم (756)، وصحيح مسلم، الحديث رقم (394).
[2] صحيح البخاري، كتاب التفسير ص9، ص4.
[3] صحيح مسلم الحديث رقم 829.
[4] نأبنه: أي ما كنا نعلم أنه يرقي فنعيبه بذلك، والأُبن: التهمة، انظر النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير 1/33، ط دار المعرفة- بيروت. ت خليل شيما.
[5] صحيح البخاري، الحديث رقم (5617)، وصحيح مسلم، الحديث رقم (5687).
[6] تقدم تخريج الحديث في البخاري.
[7] وهم قراء الكوفة ومكة، وبه أخذ الإمام الشافعي ورواية عند أحمد.
[8] وهم قراء المدينة والبصرة والشام وبه أخذ الجمهور أبو حنيفة ومالك وأحمد.
[9] من أراد أدلة كل فريق فليراجع أحكام القرآن للجصاص، وأحكام القرآن لابن العربي وتفسير آيات الأحكام للسايس. ومفاتيح الغيب للرازي.
[10] انظر تفسيره المسمى لباب التأويل 1/11.
[11] انظر سنن الترمذي، كتاب الدعوات، الحديث رقم (3524)، ومسند أحمد 4/182.
[12] مفاتيح الغيب للرازي 1/262.


رابط الموضوع: http://www.alukah.net/sharia/0/47090/#ixzz3WigZbMiy
الاستاذ الدكتور/مصطفى مسلم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alrabany.forumegypt.net
 
تفسير سورة الفاتحة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تفسير أفضلية بعض القران على بعض (ج1)
» ما هو السبب في تسمية مجموعة آيات القرآن سورة ؟ ومن أين أتت كلمة سورة ؟
» ذكر ما ورد في فضل الفاتحة
» ما صح وما لم يصح من احاديث فى فضل الفاتحة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الطريق الربانى لطالب العلم الروحانى :: الطريق الربانى لطالب العلم الروحانى :: روحانية القران العظيم-
انتقل الى: